يعتبر التخطيط التربوي إحدى الدعامات الكبرى للنمو الاقتصادي، لما يلعبه من أدوار في تدبير الفعل التربوي و تنمية الرأسمال البشـري المؤهـل معرفيـا و مهاريا لتحمــل مسؤولـية الإنــتاج بمخـتلف تجلياته الاقتصادية و التكنولوجية و الصناعية، عبر مسلكيات عقلانية يتبعها من أجل تحقيق الأهداف المرصودة للفعل التربوي التعليمــي.
و بناء على التساؤلات المركزية التالية:
- كيف يمكن للتربية أن تؤثر في النمو الاقتصادي للبلاد؟
- و إذا ما اعتبرنا التربية كوحدة إنتاج ، فماذا تنتج لنا بالفعل؟
- و كيف يستثمر المجتمع وحدات الإنتاج هاته الممنوحة من طرف التربية؟ .
- ما هي مدخلات الفعل التربوي التعليمي، و ما هي مخرجاته كإنتاج ؟.
- و ما مدى فعاليتها بالنسبة للمجتمع خصوصا على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و التكنولوجي؟.
يمكننا القول بأن التربية مؤهلة من الناحية المبدئية للمساهمة في التنمية البشرية من جهـة، و في التنمية الشمولية من جهة ثانية، خصوصا إذا ما تقاطعت أهدافها مع متطلبات و حاجيات المجتمع بكل قطاعاته الثقافية و السياسية و الصناعية ….
و يمكننا استخلاص سمة أخرى للعلاقة الموجودة بين التربيـة و النمو الاقتصادي، و يتعلق الأمر بأصل المشاكل الاقتصادية داخل المنظومة التعليمية التربوية من جانب النفقات التربوية التي تصرف على المؤسسات التربوية الاجتماعية؛ و في هذا الموضوع هناك اختيارين كانشغالات على مستوى التخطيط للفعل التربوي:
– التخطيط المكبر المتمركز حول الروابط المتبادلة بين التربية و الاقتصاد على مستوى القيم الاقتصادية للتربــية و على مستوى المساهمة في النمو الاقتصادي الوطني.
– التخطيط المصغر المتمحور حول العلاقات الكامنة بين مكونات النظام التربوي التعليمي و حول المشكلات ذات الطبيعة الاقتصادية.
و هكذا سواء تعلق الأمر بالتخطيط المكبر أو التخطيط المصغر ، فالمسألة تتطلب من المخططين التربويين أن يعمدوا
- على تحديد الأهداف على المدى القريب أو المتوسط، كإجابة على المشكلات القائمة في بنية المجتمع عامة و في المجال التربوي و التعليمي خاصة.
- ثانيا: بناء برنامج عملي، و توفير المنابع و الوسائل التقنية الضرورية لضمان النتائج المستهدفة في العمل التربوي التعليمي.
- ثالثا: تنفيذ البرنامج.
- رابعا: تقويم المحصول الإنتاجي، و ضبط فعالية الطرائق المطبقة.
إن المهام المتعلقة بالتخطيط المكبر موكولة أساسا للمخططين المتخصصين، ضمن دائرة الإدارة الوزارية الخاصة بالاقتصاد و بالمالية، و وزارة التربية الوطنية، و أيضا بالنسبة لمدراء المدارس التعليمية. أما فيما يخص بالتخطيط المصغر فهو موجه من طرف جميع الفاعلين التربويين و التعليميين الذين ينتمون للمنظومة التربوية التعليمية، من إداريــين و معلمين و مرشدين تربويين و متخصصين في مجال تخطيط التربـــوي و تلاميذ المؤسسات المدرسية.
و لذلك نعتقد بأن تطور مجتمع ما لا يمكنه أن يستقيم إلا بواسطة التربية، باعتبارها من الوسائل الإستراتيجية لتكوين الرأسمال البشري، عبر مدخلات مبنية تتجه نحو إكساب الفئات المستهدفة في الفعل التعليمي مهارات و كفايات تستجيب للطلب الاجتماعي و التكنولوجي و الصناعي، و التي من شأنها أن تتحول إلى مخرجات سلوكية كمنتوج نهائي ، يتقاطع مع الأهداف المرسومة من طرف سلطة القرار داخل المجتمع. و هكذا تبقى فعالية التربية و التعليم مشروطة لفعالية المدخلات و المخرجات التي ينتجها الفعل التعليمي. و لضمان تخطيط مصغر فعال لا بد من معالجة مجموعة من المشكلات الملحة التي يتصف بها الفعل التربوي :
1. التحليل الخاص بالمنظومة التعليمية: و يقتضي الأمر هنا اعتماد التحليل النسقي للوضعيات البيداغوجية الحالية في علاقتها بالنسيج الاجتماعي، و ذلك من خلال الإجابة عن التساؤل التالي:ما هي أهم الوحدات الخاصة بالنظام التعليمي؟، و ما هي العلاقات البينية القائمة بين هذه الوحدات؟. بمعنى البحث عن حدود التوافق و الانسجام بين هذه الوحدات المعرفية و المهاريـة و بين متطلبات المجتمع من الناحية الاقتصادية. و هو ما يمكن توضيحه من منطلق العناصر التالية:
- مدخلات الفعل التعليمي: كما هو معروف بالنسبة لأية مقاولة الخاصة بالإنتاج، تتوفر المدارس من جهة على مواد أولية تتمثل في التلاميذ، و من جهة ثانية على فعاليات الإنتاج [ الفاعلون التعليميون] و من جهة ثالثة على وسائل مالية ضرورية بالنسبة للأجور[ المعلمون و رجال الإدارة ..] و من جهة رابعة على أدوات الاشتغال[ كتب مدرسية، و عدة ديداكتيكية و تقويمية …]، ثم من جهة أخيرة بالبنايات التي سيتم في خضمها الفعل التربوي التعليمي، من حيث التجهيــز ، و العدد ، و المكان، و ظروف العمل و غيرها من اللوازم الضرورية لضمان فعالية كبرى لهذا الفعل. إلى جانب ذلك هناك متغيرات أخرى يشترطها التخطيط المصغر للفعل التربوي التعليمي، كمستجوبات لا بد من استحضارها ، و نعني بذلك تكوين الفاعلين التعليـــميين،[ التكوين الأولي و التكوين المستمر]، و العلاقات القائمة بينهم و بين التلاميذ من جهة و بينهم و بين جمعية الآباء و فعاليات المجتمع المدني من جهة ثانية. أيضا الأخذ بعين الاعتبار مسألة الاكتظاظ داخل الأقسام، و الأقسام المتعددة المستويات، و كل ما له علاقة بالديموغرافية المدرسية.
- مخرجات الفعل التربوي التعليمي: و يتعلق الأمر بنوعية الانتاجات المحصل عليها من وراء الفعل التربوي التعليمي، من حيث طبيعتها و امتداداتها داخل مختلف الأوساط السوسيوثقافيـــــة و الاقتصادية التي يمتلكها المجتمع المدني. عن طريق التحديد لنوعية هذه الإنتاجات، و لقد اتجهت التفسيرات لدى البعض نحو ربطها بإعداد التلاميذ الذين قطعوا مرحلة مهمة من التكويـــن، و الذين دخلوا إلى عالم الشغل، و عليه فإن شكل الطلب لليد العاملة – من منطلق هذا التصور – هو تقويم لإنتاجية نمط معين من التعليم. كما نحت التفسيرات لدى البعض الآخر من جانب الكشف عن العلاقة بين الانتاجات الخاصة بالمنظومة التعليمية و بين درجة الكسب المحصل عليه من طرف المتعلمين الذين تلقوا تربية و تعليما ما، بناء على الأهداف المرصودة؛ و يستخلص من هذين التفسيرين للإنتاجات الخاصة بالفعل التربوي التعليمي، أن هناك علاقة جدلية بين التطلعات و النوايا و بين النتائج المتوصل إليها، خصوصا على مستوى التخطيط الذي يفترض أن يتسم بالعقلانية و البرمجة و التصميم المحكم، إذا ما أردنا أن نضمن على المدى القريب نوعا من التوافق بين المدخلات و بين المخرجات الخاصة بالفعل التعليمي التربوي.
- عمليات الإنتاج: التساؤل منصب في هذا الموضوع نحو طبيعة الأنشطة التعليمية المقترحة للإنتاج، بما هي سلوكات و معارف و كفايات يتم إكسابها للمتعلمين خلال مرحلة دراسية محددة و هكذا في مجال التربية كما هو الشأن في المقاولات الصناعية، فإن الأنشطة التربوية الخاصة بالتحويل و التعديل ليست ظرفية لكونها مندمجة ضمن نطاق منهاج دراسي يستجيب للأهداف المسطرة من طرف سلطة القرار التربــوي؛ و يفضي هذا المنهاج إلى تبيان الغايات المرجوة من الفعل التعليمي و يقترح الطرائق الخاصة بالتكوين و التعليم، و المهام الموكولة للمعلم اتباعها أو تنفيذها مع المتعلمين، إلى جانب توجيهات عامة تخص منهجية تدريس الأنشــطة، و أشكال التقويمات التي يمكنه اعتمادها.
2. بناء المناهج و البرامج الدراسية: بناء على الدور الفعال الذي تلعبه المناهج و البرامج الدراسية في عملية التحويل المرصودة لعملية التعليم، هناك مهمة ذات أولوية لابد من توفرهـا، و تخص بالأساس بناء المناهج و البرامج التعليمية حتى تستجيب من جهة، لمتطلبات عالمـــية [ سوسيوثقافية،اقتصاديـة و سياسية]، و من جهة ثانية لمتطلبات نوعية [ تكنولوجــــية و اختصاصية]. و هكذا من شأن الأنشطة المقترحة في البرنامج التعليمي المخطط له أن تعكس مختلف التوجهات التربوية و الفلسفية للمجتمع، و تعمد بالضرورة على تحقيق الأهداف المسطرة من طرف سلطة القرار السياسي داخل المجتمع المدني. و هناك مجموعة من الأنشطة تتدخل في هذه البرمجة :
- تحديد الأهداف التربوية : تختلف تحديدات هذه الأهداف من الناجية التكتيكية حسب المستويات التعليمية التي يقترحها النظام التعليمي،[ التعليم الابتدائي – التعليم الإعدادي، التعليم الثانوي و التعليم الجامعي.] ،و حسب نوع التكوين المستهدف [ تكوين عام ، تكوين نوعي، معلمون أطباء مهندسون، فنانون…..]؛ و هكذا يبقى تحديد الأهداف من الناحية الإستراتيجية إجراء تنظيمي ليس فقط على مستوى اختيار و توجيه الأنشطة التربوية، و إنما أيضا من اجل تحديد المعايير التي يتم اعتمادها في تقويم الفعل البيداغوجي.
- تحليل و تفسير الأهداف كسلوكات قابلة للملاحظة، و ذات قيمة إجرائية: أن تنصب الأهداف المحددة بشكل مسبق على سلوكات معرفية و مهاريـــة و حسية حركية، كمتغيرات يجب إكسابها للمتعلمين، للتعبير عن مدى قدرتهم على الإنتاج.
- تنظيم الكفايات و تطويرها: يتمظهر تنظيم الكفايات الممتدة و المستعرضة من خلال بعدين:
– التنظيم الأفقي للأنشطة التربوية و التعليمية في نفس المرحلة، بمعنى تنظيم التجارب التي لها تقاطع مع عدد مختلف من الاختصاصات: الرياضيات، الاجتماعيات اللغة العربية و اللغة الفرنسية…. داخل نفس السقف الزمني. – – – التنظيم العمودي لأنشطة تربوية تتم داخل نفس الزمن خلال مراحل دراسية متتالية متخذة في ذلك بعدا ادماجيا. - اقتراح الطرائق و الوسائل: لتحقيق الأهداف المسطرة للكفايات الممتدة او الاساسية لابد من عدة ديداكتيكية معينة على تبليغ المحتويات المعرفية المتضمنة للأهداف.
- اعتماد أنواع التقويمات المقترحة: للتأكد من تحقيق النتائج يتطلب من الفاعلين التعليميين اللجوء إلى التقويم كمحك لضبط النتائج المحققــة و السلوكات المنتظرة و التغيرات الملحقة بشخصية المتعلمين، سواء باعتماد التقويم التكويــني أو التقويم الإجمالي المرتبط بالهدف النهائي للإدماج.
حتى نختم ، نشير بأن النظام التربوي التعليمي إذا كان جزءا لا يتجزأ من النظام الاجتماعـي، فلابد له من مسايرة النمو السياسي و الاقتصادي و الثقافي و التكنولوجي ، خصوصا إذا كنا نرغب بالفعل في تجنب القطيعة بين الطلب الاجتماعي على التربية و التعليم و بين حاجيات المجتمع المدني.
نخلص بأن التربية عموما كقطاع مصغر ينتمي للقطاع الكبير المتمثل في المجتمع، مشروطة بأن تساير التطور الاقتصادي و الثقافي و السياسي و التكنولوجي لهذا الأخير، خصوصا إذا أردنا أ ن نتجاوز عتبة التمفصل بين التربية و النسيج الاجتماعي، بمعنى السعي نحو ضمان نوع من التوافق التام مع هذه القطاعات في مختلف تجلياتها؛ و إذا كان من مهام التربية تكوين الرأسمال البشري كيد عاملة متخصصة فهي مجبرة على المساهمة في النمو العام للمجتمع، إلا أن الحقيقة الواقعية المعيشة مع كامل الأسف مخيبة للآمال، مادام الإنتاج التربوي في جميع مقتضياته مازال محاطا بتعثرات و انزلاقات سواء على المستوى الكمي[ تعميم التمدرس] أو على المستوى الكيفي [ جودة التربية و التعليم]، خصوصا في تحقيق التنمية الشمولية
نخلص إذن بأن التخطيط التربوي من مهامه الأساسية هو تفعيل العمل التربوي التعليمي ، و ذلك بتكييف أهداف النظام التعليمي مع حاجيات و متطلبات المجتمع المدني. و إذا ما حاولنا البحث عن العلاقة القائمة بين التخطيط التربوي و التخطيط الديداكتيكي، نجد بأن هناك تكاملا بينهما، خصوصا على مستوى تحقيق الأهداف التربوية المناطة بالمنظومة التربوية التعليمية؛ اعتبارا بأن التخطيط الديداكتيكي هو شكل من التطبيق الفعلي لمكونات التخطيط التربوي من الناحية النظرية كغايات و من الناحية الإجرائية كسلوكات قابلة للتحقق، بل يمكن القول بأن التخطيط الديداكتيكي هو شكل من التنظيم المعقلـــن و المصمم لاستراتيجيات التدريس المعتمدة داخل نظام تربوي تكويني، يأخذ بعين الاعتبار المكونات الغائية المبرمجة ضمن سياق التخطيط التربوي في صورته العامة، و المكونات البيداغوجية كإجراءات تنظيمية للمدخلات المستهدفة في العمل التعليمي التعلمي تحقيقا للأهداف البعيدة المدى، و مثل هذا التخطيط موكول في صورته المكبرة للديداكتيكي، و في صيغته المصغرة للفاعل التعليمي، من خلال التحضيرات التي يقوم بها للأنشطة التعليمية الموجهة للمتعلمين حسب مستوياتهم التعليميـــة و المعرفية.
في حين نجد بأن التخطيط التعليمي موكول للتقنوقراطيين التابعين للوزارة الوصية على التعليم ، بحيث يهدف أساسا إلى رسم المعالم الكبرى للسياسة التعليمية من أبعادها الغائية إلى أبعادها النوعية المترجمة إلى كفايات قابلة للتحقق على المدى المتوسط أو البعيد، حسب التجربة التعليمية المعيشة من طرف المتعلمين، و حسب الأسلاك التعليمية المبرمجة رسميا.
تحديد بعض المفاهيم البيداغوجية.
- الاستراتيجية :نشاط تحويلي هداف ، يعتمد التخطيط و التنظيم ز البرمجة.
- الإستراتيجية الديداكتيكية : شكل من البناء المنطقي و الموضوعي للمسار التعليمي التعلمي ، بكيفية تمكننا من الوصول إلى الأهداف المرغوب فيـــــها . و يتضمن هذا البناء : تحديد الأهداف – اختيار المحتويات الخاصة بالأنشطة –اختيار و انتقاء التقنيات و الوسائل المعينة على تبليغها – أجرأة التقويم و الدعم.
- النظرية :بناء ذهني تأملي يربط النتائج بمبادئ معينة .
- نظام من القضايا و التفسيرات و المفاهيم المنسقة منطقيا ،و تتعلق بمجال من الوقائع والمصوغة بطريقة تسمح أن تستخلص منها فرضيات قابلة للتمحيص.
- النظرية التربوية : نسق من المفاهيم و المعارف و النماذج يتصف بالصلاحية، و يساهم في تطوير التربية ،و تفسير ظواهرها و التنبؤ بها .
- المنظور :النظريات المعتمدة كنموذج لدى مجموعة من الباحثين العلميين الذين ينتمون لنفس العصر .
- النموذج : نمط من العلاقات المقصودة أو الملموسة التي يشاهدها الإنسان في ملاحظته للعالم ، كأنماط من السلوكات الاجتماعية أو أنماط من البناء الاجتماعي.
- المقاربة :أسلوب يعتمد في معالجة ظاهرة من الظواهر المدروسة ،حسب الحقل المعرفي المنطلق منه.و غالبا ما ترتبط المقاربة بنظرة الباحث الفكرية و بأطره المرجعية التي ينطلق منها .
الدرس ؟
1- وحدة ديداكيتيكة ، يستمد إطاره النظري من الأنشطة المقترحة ضمن البرنامج التعليمي،و إطاره الإجرائي من خلال الاختيارات البيداغوجية المعتمدة .
2- مشروع ديداكتيكي للتنفيذ بهدف تحقيق النوايا المرتقبة.
3- وضعية ديداكتيكية تتوحد من خلال أقطاب المثلث الديداكتيكي.
4- وحدة صغرى أو مقطع يندرج داخل المنهاج الدراسي أو داخل البرنامج ،و يستمد من هذا المنهاج مكوناته و توجهاته ،و يشتمل على عناصر و مكونات تحدد استراتيجية التعليم و التعلم و سبل تنفيذها في وضعيات ملموسة .
5- الدرس عبارة عن توليفة بين:
· الاختيارات البيداغوجية للنظام التعليمي ،
· الاختيارات البيداغوجية للمدرس ،
· حاجيات المتعلمين