يُسلط هذا المقال الضوء على ديداكتيك الرياضيات بالابتدائي، متناولا جوانب مهمة تشمل: أهداف تدريس الرياضيات، نظرية الوضعيات، العقد الديداكتيكي، العوائق وأثرها على أخطاء المتعلمين، والإطار المنهجي العام للرياضيات في التعليم الابتدائي.
تعتبر العملية التعليمية-التعلمية معقدة وتتطلب فهمًا عميقًا لعلوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك. يُعد الديداكتيك، كعلم تطبيق العملية التعليمية، ضروريًا لنجاح عملية التدريس. فهو يساعد المعلمين على أداء أدوارهم بشكل فعال من خلال ربط المناهج والبرامج الدراسية بوضعيات التدريس المختلفة. كما أنه يوفر إطارًا لتنظيم وتخطيط عملية التدريس، بما في ذلك تحديد الإجراءات والتدابير المناسبة لضمان تحقيق الأهداف والكفايات. يُمكن النظر إلى الديداكتيك أيضًا كتصور فلسفي للمنهاج، مما يساعد على تطوير استراتيجيات فعالة في عملية التدريس.
تكتسب مادة الرياضيات مكانةً أساسيةً في منظومة التربية والتكوين بالمغرب، لِما لها من دورٍ محوريٍ في تنمية مهارات التفكير المنطقي والقدرة على حلّ المشكلات، وتكوين شخصيةٍ علميةٍ متكاملةٍ لدى التلاميذ. ونظرًا لأهمية هذه المادة، برز مجال “ديداكتيك الرياضيات” كرافعةٍ أساسيةٍ لضمان تعليمٍ فعالٍ يُساهمُ في تحقيق الأهداف المرجوة.
يهدف ديداكتيك الرياضيات بالابتدائي إلى توفير بيئةٍ تعلّميةٍ غنيةٍ تُحفّزُ التلاميذ على التفاعل مع المعرفة الرياضية واكتشافها بِشكلٍ ذاتيٍّ. ويُركّزُ هذا المجال على تبنّي أساليبَ تدريسيةٍ حديثةٍ تُراعي الفروقَ الفرديةَ بين التلاميذ وتُساهمُ في تنمية مهاراتهم الأساسيةِ في الرياضيات، مثل: العدّ الحساب، القياس، الهندسة وحل المسائل.
ولذلك، يُولي ديداكتيك الرياضيات اهتمامًا كبيرًا بتكوين مُعلّمين أكفاءَ مُزوّدينَ بالمعارف والكفاءات اللازمة لِتطبيق الأساليبِ التدريسيةِ الحديثةِ بِشكلٍ فعّالٍ. كما يُركّزُ على توفيرِ مواردَ تعلّميةٍ مُتنوّعةٍ تُساهمُ في إثراءِ العمليةِ التعليميةِ وجذبِ انتباهِ التلاميذ.
أهداف تدريس الرياضيات
1- الأهداف العامة
يندرج النشاط الرياضياتي كنشاط إنساني في سياق تنمية قدرة التلميذ على استخدام لغة الرياضيات لتحقيق أهداف نفعية وثقافية وتكوينية.
من أبرز الأهداف النوعية للنشاط الرياضياتي
- توعية التلميذ بأن الرياضيات مجموعة من الأدوات لحل مشكلات حياتية ومعقدة.
- تنمية فكر المتعلم وإكسابه مهارات وكفايات لحل مشكلات متنوعة.
- تعويد التلاميذ على التجريد بدل الاكتفاء بتعليمهم مفاهيم مجردة.
- تنمية قدرة إدراك المشكلات.
- تعلم تقدير الكميات وإنجاز القياسات.
- تنمية الفكر الاحتمالي إلى جانب الفكر الحتمي.
- توعية التلميذ بالعلاقة بينه وبين العالم المحسوس وفهم الفرق بين الواقع والنموذج الرياضي.
- تعلم تأويل النتائج وتحديد شروط تصنيفها.
2- الأهداف العامة لتدريس الرياضيات بالمدرسة الابتدائية
في ضوء التكامل المطلوب بين مختلف الأسلاك والمراحل التعليمية، تنطلق مادة الرياضيات، بمختلف مكوناتها، كعملية تربوية أساسية تستهدف تكوينًا متكاملًا للتلميذ، يجمع بين الجانب المعرفي والوجداني والسلوكي.
يهدف هذا التكوين إلى تمكين المتعلم من:
- التفاعل مع العالم الخارجي.
- الاستقلال المعنوي، والثقة بالنفس، والاعتماد على الذات.
- تنمية روح الإبداع والمبادرة والتنافس الشريف.
- تحقيق الذات، وإنماء الشخصية، والثقة بالمؤهلات الشخصية، والتواصل، والاستعداد للعمل الجماعي.
كما يهدف تدريس الرياضيات إلى تمكين المتعلمين من:
- بناء واكتساب المفاهيم والمعارف والمهارات والتقنيات.
- تنمية استعداداتهم، وإغناء قدراتهم في مجالات الملاحظة والبحث والتجريد والاستدلال والدقة في التعبير.
- اكتساب المفاهيم الرياضياتية اللازمة لفهم واستيعاب محتويات باقي المواد، وخاصة منها العلمية والتكنولوجية، مع تشجيع مواقف إيجابية تجاه مادة الرياضيات.
نظرية الوضعيات الديداكتيكية في تدريس الرياضيات
تُقدم هذه الفقرة شرحًا موجزًا لـ نظرية الوضعيات الديداكتيكية التي تُعد أساسًا ديداكتيكيًا لتدريس الرياضيات.
الرياضيات ليست مجرد مجموعة من الحسابات و القواعد، بل هي معرفة تُبنى كجواب على أسئلة.
الوضعية الديداكتيكية: وفقًا لبروسو (Brousseau)، تُعرف الوضعية الديداكتيكية بأنها مجموعة من العلاقات بين التلميذ ووسط معين و نظام تربوي (المدرس) تهدف إلى مساعدة التلميذ على اكتساب معرفة منظمة أو في طريق التكوين.
فالوضعيات الديداكتيكية تستهدف تعليم وتعلم الرياضيات. وقد حدد بروسو سيرورة التعلم في الوضعيات الديداكتيكية التي يتم بها الوصول بالتلميذ إلى حالة معينة، ويرى أن الوضعيات التي تساعد على بناء المعرفة هي:
أنواع الوضعيات الديداكتيكية
- وضعية الفعل: تُركز على حل مشكلة معينة، وتُساهم في اكتساب معرفة أو مهارة عملية جديدة.
- وضعية الصياغة: تُركز على تبادل المعلومات بتعبير شخصي.
- وضعية التصديق: تُركز على تبرير النتائج وإثبات صلاحيتها.
- وضعية المأسسة: يحدد المدرس خلالها العلاقات بين سلوكيات التلميذ و إنتاجاته الحرة و المعرفة العلمية، و بينها وبين المشروع الديداكتيكي.
اللعبة الديداكتيكية
يُقدم بروسو مفهوم “اللعبة الديداكتيكية” jeu didactique كنموذج لتطبيق الوضعية الديداكتيكية.
تعمل “اللعبة الديداكتيكية” على ربط علاقة بين اللاعب الأول (المدرس) الذي يحمل نية تدريس معرفة معينة واللاعب الثاني (التلميذ)، وتهم أدوار اللعبة المنظمة من طرف المدرس أربعة شركاء هم: المدرس، التلميذ، المحيط القريب، الوسط الثقافي. ويميز بروسو نوعين رئيسيين من أدوار المدرس في “اللعبة الديداكتيكية” هما:
شركاء اللعبة الديداكتيكية
- المدرس: يُمثل اللاعب الأول و هدفه تدريس معرفة معينة.
- التلميذ: يُمثل اللاعب الثاني.
- المحيط القريب: الوسط المباشر للتعلم.
- الوسط الثقافي: السياق العام الذي يحدث فيه التعلم.
أدوار المدرس في اللعبة الديداكتيكية
- التفويض (Dévolution): يتفاعل التلميذ مع الوسط بشكل مستقل و حر، و تُمنح له فرص التعلم.
- المأسسة (Institutionnalisation): يُحدد المدرس الروابط بين سلوكيات التلميذ ونتاجاته و المعرفة العلمية و المشروع الديداكتيكي.
تُساهم نظرية الوضعيات الديداكتيكية في تحويل عملية تدريس الرياضيات من التلقين إلى التعلم النشط، و تُركز على إشراك التلميذ في عملية بناء المعرفة.
العقد الديداكتيكي ومفارقاته
يُعد العقد الديداكتيكي أساسًا لعملية التعلم في الرياضيات، وهو بمثابة اتفاق ضمني بين الأستاذ والتلاميذ يُحدد واجبات وحقوق كل طرف، و يُساهم في بناء معرفة رياضية فعّالة.
طبيعة العقد الديداكتيكي
- هو نظام من القواعد غير محددة بالتفصيل، والتي تُنظّم العلاقات بين الأستاذ و التلاميذ في مجال معرفي محدد (الرياضيات في هذه الحالة).
- يُرتبط بالمعارف التي تُشكل موضوع التعلم.
- يُحدد كيف يتم تدبير الزمن في عملية التعلم.
- يتغير بمرور الوقت مع تطور الوضعيات.
مفارقات العقد الديداكتيكي Les paradoxes du contrat didactique
تُظهر نظرية بروسو وجود مفارقات تُشكل تحديًا للعقد الديداكتيكي:
- مفارقة تفويض الوضعيات (Paradoxe de la dévolution des situations):
- يفترض العقد أن يتعلم التلميذ بذاته.
- لكن عندما يُواجه التلميذ صعوبة ، فإنه يلجأ إلى الأستاذ للحصول على التوضيحات.
- يُصبح الأستاذ مُجبرًا على تقديم الشرح ، لكن ذلك يُقلل من فرصة التلميذ للتعلم بذاته .
- مفارقة: يُريد العقد أن يُعلم التلميذ بذاته، لكن في نفس الوقت يُجبر الأستاذ على التدخل عندما يُواجه التلميذ صعوبة.
- مفارقة تكييف الوضعيات (Paradoxes de l’ adaptation des situations):
- يجب أن تُناسب الوضعيات الديداكتيكية قدرات التلاميذ.
- لكن هناك اختياران صعبان:
- التبسيط: يُمكن أن يُشوّه المعرفة العلمية.
- الحفاظ على الشمول: يُصبح التعلم مستحيلًا لأن المعرفة تُصبح صعبة الفهم.
- مفارقة: يُريد العقد أن يُعلم التلميذ ، لكن يُصبح التعلم صعبًا عندما تُصبح الوضعيات مُبسطة أو مُعقدة.
أهمية الوضعيات الديداكتيكية
- تُعد الوضعيات الديداكتيكية أساسية في تحقيق الهدف من العقد الديداكتيكي.
- يجب اختيار الوضعيات بِدقة ، و تُجرى دراسة متأنية لِمُتغيراتها ، و تُدرج استراتيجيات و طرائق البحث عن الحلول و أهمية الأخطاء.
العوائق في الوضعيات الديداكتيكية
- تُشير العوائق إلى الَصعوبات التي تُواجه التلاميذ في عملية التعلم.
- هناك أنواع عدة من العوائق، مثل العوائق الإبستمولوجية (صعوبات فهم المعرفة العلمية) ، و العوائق البيداغوجية (صعوبات في التدريس أو في طريقة شرح المادة).
- تُلعب الأخطاء دورًا هامًا في التعرف على العوائق و التغلب عليها.
يُعد العقد الديداكتيكي عنصرًا هامًا في عملية التعلم، لكن يُواجه مفارقات تُعقد هذه العملية.
يُجب التعامل مع هذه المفارقات بِدقة ، و اختيار الوضعيات الديداكتيكية بِشكل مُناسب ، و تُدرج استراتيجيات و طرائق التعلم و الاستفادة من الأخطاء.
أهمية ديداكتيك الرياضيات
- تطوير مهارات التفكير: يُساهم ديداكتيك الرياضيات في تنمية مهارات التفكير الرياضي لدى التلاميذ، مثل حلّ المشكلات، والتفكير المنطقي، والتفكير الإبداعي.
- بناء المعرفة الرياضية: يهدف ديداكتيك الرياضيات إلى بناء فهم عميق للمفاهيم الرياضية الأساسية لدى التلاميذ، مثل الأعداد، والعمليات الحسابية، والهندسة، والإحصاء.
- إعداد التلاميذ لمواجهة التحديات: يُساعد ديداكتيك الرياضيات التلاميذ على اكتساب المهارات اللازمة لمواجهة التحديات في مختلف مجالات الحياة، مثل العمل والدراسة والبحث العلمي.
مبادئ ديداكتيك الرياضيات بالابتدائي
- التركيز على التلميذ: يُركز ديداكتيك الرياضيات على احتياجات التلاميذ ومستوياتهم الفردية، ويُشجعهم على المشاركة الفعّالة في عملية التعلم.
- استخدام أساليب تعليمية متنوعة: يعتمد ديداكتيك الرياضيات على أساليب تعليمية متنوعة، مثل اللعب، والأنشطة العملية، والمشاريع، لتسهيل فهم التلاميذ للمفاهيم الرياضية.
- ربط الرياضيات بالحياة الواقعية: يُساعد ديداكتيك الرياضيات التلاميذ على ربط الرياضيات بالحياة الواقعية، مما يُعزز فهمهم لمعناها وأهميتها.
الفهرس
الموضوع |
---|
إهداء |
مقدمة |
أولاً: الوضعية الديداكتيكية عند بروسو |
ثانيا: مستجدات الرياضيات 2019 |
الحساب الذهني |
الوثيقة الجديدة |
الوثائق الرسمية السابقة |
التخفيف الكمي والنوعي والهندسة الجديدة للدروس والحصص |
التغييرات الكمية والكيفية |
الهندسة الجديدة |
تطور الكفاية خلال السنوات الست |
تنظيم ومعالجة البيانات |
ثالثاً: ممارسات للتعديل |
الاحتفاظ في الطرح |
التعامل مع الأعداد الكسرية |
الفاصلة وجداول التحويلات |
رسم الأشكال والأدوات الهندسية |
استعمال المنقلة |
رابعاً: من التعلم إلى التدرب |
الإنشاء والمحيط والمساحات والحجم |
لعبة بطاقات الكتابات المختلفة |
خامساً: تعدد المداخل الديداكتيكية |
اللعبة |
التعاقد |
الوضعية الديداكتيكية |
الخطأ |
الفوارق الفردية |
سادساً: ديداكتيك الرياضيات والامتحانات المهنية |
مباراة أطر الأكاديمية “جزء الديداكتيك” |
النموذج الأول: دورة دجنبر 2018 |
النموذج الثاني: دورة دجنبر 2019 |
امتحان ولوج مركز مفتشي التعليم |
النموذج الأول: دورة يوليوز 2018 |
النموذج الثاني: دورة نونبر 2018 |
مباراة توظيف أساتذة المدارس الفرنسية دورة 2016 |
سابعاً: الحساب الذهني: من الجمود الحسابي إلى الدينامية الإيقاعية |