المنهاج الدراسي بالمرحلة الابتدائية
تُشكل المناهج الدراسية ركيزة أساسية في بناء مجتمعات قوية ومتماسكة، حيث تلعب دورًا محوريًا في تشكيل وعي الأفراد وغرس القيم والمبادئ التي تعزز احترام حقوق الإنسان. وتأتي أهمية تطوير المناهج الدراسية في ظل التحولات العالمية المتسارعة، حيث ساهمت العولمة والتطور التكنولوجي في تقارب الشعوب وتزايد التفاعل بين الثقافات المختلفة، مما يستدعي تعزيز ثقافة حقوق الإنسان كأولوية عالمية لضمان العيش المشترك والسلم والأمن الدوليين.
وقد شهد المغرب في العقود الأخيرة تطورات سياسية واقتصادية هامة، اتخذت خلالها خطوات جادة نحو تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ومع ذلك، ظل النظام التعليمي المغربي بحاجة إلى إصلاح شامل لمواكبة هذه التطورات والتحديات العالمية، وهو ما أكده “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” الذي شدد على ضرورة تكوين مواطنين صالحين، متشبعين بقيم وثقافة بلدهم، منفتحين على العالم، ومدركين لحقوقهم وواجباتهم.
وفي هذا السياق، تمت صياغة المنهاج الجديد المنقح للتعليم الابتدائي، استجابة لمجموعة من التحولات التربوية والاقتصادية والفكرية التي أثرت بقوة على المنظومة التعليمية في المغرب. يأتي هذا المنهاج كاستجابة متفاعلة لأهم المستجدات المعرفية والتربوية والعلمية التي يشهدها العالم اليوم في مجال المعارف والعلوم، والقيم.
مواصفات المنهاج التعليمي في المرحلة الابتدائية
يتميز المنهاج المنقح للتعليم الابتدائي والذي يستند إلى مجموعة من المرجعيات والأسس والمواصفات البيداغوجية والتربوية والمؤسساتية والقيمية، بتركيزه على الأقطاب بدلاً من التقسيمات النمطية للمواد والمكونات بهدف تقليل الزمن الذي يقضيه المتعلمون في الفصول الدراسية من خلال دمج الأنشطة الصفية والخارج الصفية.
كما يسعى المنهاج لتفعيل مبدأ التعلم الذاتي من خلال التركيز على الأنشطة التطبيقية والتجريبية أكثر من النظرية، باعتماده مبدأ كون المتعلم يجب أن يكون الرائد في بناء معرفته، وليس المعلم.
يحمل هذا المنهاج روح البحث عن تجارب تعليمية متنوعة خارج الصفوف الدراسية لتحفيز التلاميذ على التحصيل وتحقيق مبدأ التعلم الذاتي.
من جهة أخرى، يشجع الإصلاح التربوي على التفتح نحو اللغات الحية وتوسيع دائرة استخدامها، لأنها تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الفهم الثقافي والتواصل مع الآخرين.
إعادة هيكلة النظام التعليمي المغربي: دمج المراحل وتحديث المناهج
يشهد النظام التعليمي المغربي تحولاً جذرياً يهدف إلى تعزيز تكافؤ الفرص وتحسين جودة التعليم. وتقوم هذه الإصلاحات على دمج المراحل الدراسية وتحديث المناهج لضمان اكتساب التلاميذ المهارات اللازمة للنجاح.
الدمج بين التعليم الأولي والابتدائي:
سيتم دمج مرحلتي التعليم الأولي والابتدائي في مرحلة واحدة تسمى “الابتدائي” تمتد لثمان سنوات. وستنقسم هذه المرحلة إلى سلكين:
- السلك الأساسي (سنتان): يركز على تنمية المهارات الحسية والحركية والمعرفية لدى الأطفال، وتعزيز القيم الدينية والوطنية والخلقية، وتنمية مهارات التواصل باللغة العربية مع الاستعانة باللغات المحلية عند الحاجة.
- السلك المتوسط (أربع سنوات): يهدف إلى تعميق المكتسبات السابقة وتوسيعها، وتنمية مهارات القراءة والكتابة والتعبير باللغتين العربية والأجنبية الأولى، واكتساب مفاهيم أساسية في مختلف المجالات.
الدمج بين التعليم الإعدادي والثانوي:
سيتم دمج مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي في مرحلة واحدة تسمى “الثانوي” تمتد لست سنوات. وستنقسم هذه المرحلة إلى سلكين:
- سلك الثانوي الإعدادي (ثلاث سنوات): يركز على تعميق المعارف والمهارات المكتسبة في المرحلة الابتدائية، وتوسيعها لتشمل مجالات جديدة.
- سلك الثانوي التأهيلي (ثلاث سنوات): يهدف إلى إعداد المتعلمين للالتحاق بالتعليم العالي أو سوق العمل، من خلال توفير مسارات تخصصية مختلفة.
أهداف إصلاح التعليم:
يهدف تطوير المنهاج التعلمي المغربي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من أهمها:
- ضمان تكافؤ الفرص: من خلال توفير تعليم ابتدائي شامل ومتكامل لجميع الأطفال المغاربة، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
- تحسين جودة التعليم: من خلال تحديث المناهج الدراسية وتطوير أساليب التدريس، لضمان اكتساب التلاميذ المهارات والمعارف اللازمة للنجاح في القرن الحادي والعشرين.
- تعزيز الهوية الوطنية: من خلال التركيز على القيم الدينية والوطنية والخلقية، وتاريخ المغرب وتراثه الثقافي.
- إعداد المتعلمين لسوق العمل: من خلال توفير مسارات تخصصية في المرحلة الثانوية، وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها للنجاح في سوق العمل.
- الأخذ بمبدأ التخفيف من الحصيص والغلاف الزمني للزمن المدرسي للمتعلم، وتعويض هذا الغلاف بالأنشطة سواء أكانت صفية مندمجة خادمة للتعلمات الأساس، أو أنشطة خارج صفية.
- مراعاة الإيقاع الزمني، والخصوصيات النفسية والاجتماعية والبيئية والقيمية للمتعلم.
- مراعاة خصوصية المتعلم اجتماعيا ونفسيا وبدنيا ونفسيا وعقليا.
- مراعاة المحيط المجتمعي والبيئي الذي يعيش فيه المتعلم.
- السعي نحو تنمية مهارة التعلم الذاتي عند المتعلم.
- اختيار الطّرائق والأساليب التي تناسب وتتوافق مع مستوى المتعلّم.
- الانفتاح على الطرائق البيداغوجية الجديدة في التعلم.
- اعتماد هندسة لغوية منسجمة تراعي مبدأ التناوب في مختلف المستويات، مع مراعاة الواقع اللساني واللغوي الذي يعيشه المتعلم في بيئته.
- استثمار الموارد الرقمية في التدريس، وفي بناء التعلمات من خلال الاستفادة من المجال الرقمي وتقريبه إلى المتعلم.
- التدريس بطريقة الأقطاب المتكاملة والمنسجمة، بدل المواد المتنافرة والمتباعدة.
- جعل المعارف المقدمة للمتعلم تغطي، وتستوعب المجال الوجداني والمعرفي والمهاري.
- استثمار التحولات السريعة التي عرفتها المجتمعات في السنين الأخيرة في المجال المعرفي، و بالأخص ما تعلق بالثورة التواصلية والرقمية.