منذ سنوات، يجري الحديث عن مشروع المؤسسة الذي تم تحديده كإطار منهجي وآلية عملية لتفعيل مختلف العمليات والتدابير، ولتجويد التعلمات وأجرأة السياسات التربوية بالمؤسسات التعليمية، والذي صدرت بشأنه نصوص ومذكرات، ومن أجل التجريب وضعت له آليات، ومرت التجارب من محطات، أثمر بعضها وبقي أكثرها إرهاصات، وطال أغلبها الفشل والإخفاقات، جراء لبس الأهداف والتصورات، ونظمت لقاءات وتكوينات، ورصدت مبالغ مالية وموارد بشرية وأدوات، وتدخلت وكالات، فوضعت برامج وأبرمت اتفاقات، وتم توفير مجموعة من الوسائل والتقنيات، وحددت أساليب التدبير والقيادات، على صعيد المؤسسات التعليمية والنيابات والأكاديميات، وصدرت وثائق للاستئناس من بطاقات تشخيص وشبكات مؤشرات، وتم رصد تجارب ودراسات، جندت لها على صعيد الوزارة والشركاء مختلف المكونات، وتم نحت مفاهيم ومقاربات، وتمت بلورة إستراتيجية وطنية وإرساء مؤشرات، وجرى إعداد مشاريع على صعيد مؤسسات، في محاولة لتغطية جميع المجالات، في الدراسة والتعلمات والبنايات والتجهيزات، وقيل مرت مرحلة الإرساء بعدة محطات ولمدة سنوات، وحلت مرحلة التحسين والتطوير بلا انطلاقة وفي ظل تساؤلات، حيث لم يتم بعد تجاوز التصورات في غياب التنفيذ والإنجازات، في ظل إشكالات وتعثرات، فما هي معيقات بلورة وإنجاز مشروع المؤسسة؟ وما موقف وموقع الفرقاء والشركاء التربويين الداخليين والخارجيين ضمن مشروع المؤسسة؟ وما هي أساليب تجاوز المعيقات ودمج مشروع المؤسسة في إطار مشروع تربوي شمولي؟
معيقات بلورة وإرساء مشروع المؤسسة:
يمكن إجمال مختلف المعيقات والمثبطات التي تقف أمام تصور وبلورة وإرساء وتنفيذ مشروع المؤسسة في ما يلي:
- من حيث الفكر الاجتماعي والثقافي، تظل ثقافة المشروع غائبة، سواء على صعيد الأسرة أو على الصعيد المجتمعي، إذ يتم تدبير الشؤون الأسرية والاجتماعية حسب الطوارئ والمفاجئات والصدف، دون اعتماد نظرة إستراتيجية، أو تخطيط رشيد للعمليات المستقبلية، يضاف إلى ذلك غياب الثقة في المدرسة لدى التلميذ والأب والأم والمجتمع، وبالتالي قد لا يتم الإجماع حول الانخراط في عمل يخالف الفكر السائد مجتمعيا، ويعتقد الجميع حصره في العمل الإداري؛
- ومن حيث الموقع الجغرافي، بالنسبة للقرى والدواوير والمداشر، فالمدرسة بعيدة عن سكنى أغلب التلاميذ، في ظل وعورة الطرق والمسالك، وعدم توفر وسائل النقل، وأقسام داخلية ومآوي للتلاميذ، ما يضعف المردودية المدرسية، ويؤدي إلى الانقطاع عن الدراسة ومغادرة الأسلاك الدراسية. وعليه فمشروع المؤسسة الذي يعتقد التلاميذ وأولياء أمورهم، أنه قائم على هامش المشروع التربوي يبقى آخر محطة يتم التفكير فيها، بعد شق الطرق وفك العزلة عن المناطق النائية بالوسط القروي وتعميم التمدرس؛
- ومن حيث البناية وحجرات الدرس والمرافق الإدارية والصحية والترفيهية والفضاء التربوي، فإن الأطر الإدارية والتربوية تبدي انشغالا بالوضع قبل انشغالهم بمشروع المؤسسة الذي يعتقد أغلبهم أنهم ليسوا طرفا معنيا به، حيث لا يستقرون نفسيا لوضع مترد، في ظل غياب أسوار واقية، وعدم توفر أمن يحمي الساكنة المدرسية، وانتهاك حرمة المدرسة من طرف غرباء الذين يحتلون أبواب المدرسة ومحيطها؛
- ومن حيث الأطقم الإدارية، فإن المدرسة تفتقد للعدد الكافي من الأطر الإدارية لتدبير الشأن التربوي والتعليمي اليومي، والقيام بالعمليات التربوية والإدارية المكثفة، ما يؤدي إلى ضعف الأداء الإداري، وعليه فانشغالهم بمشروع المؤسسة يبدو أمرا ثانويا، وغير ملزم في خضم الظواهر المختلفة التي أضحت تغزو المؤسسات التعليمية، وتؤثر على السير العادي لمختلف العمليات التربوية والإدارية، وتسهم في تخريب البنى التحتية للمدرسة، ما يجعل المواجهات تحدث بين التلاميذ والأطر الإدارية يوميا ولحظيا، الأمر الذي قد يضعف اهتمام الطاقم الإداري بعمليات تندرج ضمن مشروع المؤسسة تبدو جزء من مهام كثيرة ومتنوعة تندرج ضمن عملهم اليومي الرسمي، وعليه فالأطر الإدارية يرون أن مشروع المؤسسة، قد يحمل الإدارة التربوية أعباء إضافية موازية للمهام الرسمية، ولا يستحضر المعاناة والإكراهات بسبب ثقل الضغط البيروقراطي المنافي للحكامة والتدبير الرشيد، كما يرون أنه، من الأولويات تعزيز الطاقم الإداري والأمني، وتوفير التجهيزات الأساسية والبنى التحتية؛
- ومن حيث الأطقم التربوية، فإن المدرسين يجزمون أن العملية التربوية طالتها اختلالات بالجملة، حيث المقررات والبرامج الدراسية لا تطبعها الواقعية، ولا تستجيب للحاجيات الملحة للتلاميذ، ولا تساير التطور التكنولوجي والصناعي، فتعددت الكتب المدرسية بنفس المستوى الدراسي، حيث كل كتاب يتداول مفردات ومصطلحات وملخصات. كما اتسمت المقررات الدراسية بكثرة المواد المقررة، ما يثقل كاهل المدرس والتلميذ على حد سواء، وما يجعل المدرس يلتجئ إلى الاختزال والمرور سطحيا على فقرات. وفي غياب إحداث مدارس وإضافة حجرات للدرس، وتوفير الأطر اللازمة، يبدي المدرسون قلقا تجاه ظواهر الاكتظاظ والأقسام المشتركة، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على مناخ الفصل الدراسي، حيث عاد التواصل مع التلاميذ صعبا، وأضحت العملية التربوية عسيرة،. كما يعرب المدرسون عن قلقهم بخصوص غياب الأشغال المخبرية، والمحرفية، والتجارب، وانتشار ظواهر الغش والإخلال بالواجب، وانتشار الساعات الخصوصية المؤداة التي تضرب مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، ليرفعوا تساؤلات جوهرية حول الإصلاح الشمولي لمنظومة التربية والتكوين، وموقع مشروع المؤسسة في خضم ظواهر متعددة وإحباطات، وموقع مشروع المؤسسة بالنسبة لحجرة الدرس المتردية الوضع، ومدى نصيب التلميذ من هذا المشروع. كما يتساءلون حول موقعهم في إطار مشروع تتم بلورته دون استشارتهم وانخراطهم، ودون معرفتهم موقع هذا المشروع ضمن المشروع التربوي، كما يتساءلون عن أسرار موازاته للمهام الرسمية الموكولة إليهم، وكيفية المزج بين الرسمي والموازي؛
- من حيث الانخراط في البلورة والإنجاز يرى الأطر الإدارية والتربوية أن تشتيت جهودهم وتوزيع طاقاتهم قد يؤدي إلى تنامي ظواهر هامشية بالمؤسسات التعليمية، تؤثر سلبا في العمليات التربوية الرسمية، فيختل التحصيل الدراسي وتضعف المردودية المدرسية؛
- ومن حيث نوع التعليم، تسجل فوارق شاسعة بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي، بخصوص الأمن، والبنى التحتية، والأطقم الإدارية والتربوية، والكتب المدرسية، والعملية التربوية، والحياة المدرسية، وعمليات التقييم التربوي، ونوع النتائج المدرسية، ما يجعل رفع متتبعي الشأن التربوي التساؤل المشروع: هل من المستحيل إلغاء الفوارق الموجودة بين المدرسة العمومية والمدرسة الخصوصية، في إطار مشروع تربوي متكامل وشمولي، لتتكاثف جهود الأطر الإدارية والتربوية، وتتوجه نحو تحسين التحصيل الدراسي والارتقاء بالعملية التربوية، عوض المعاناة اليومية مع ظواهر التغيب والعنف والاكتظاظ…؟
نحو مشروع تربوي شمولي:
- بعد تشخيص وضعية منظومة التربية والتكوين من خلال مشاورات طالت مختلف الفرقاء والشركاء والفاعلين التربويين، يحل أوان إرساء إصلاح تعليمي شامل، لتجاوز مختلف الاختلالات والنواقص التي ما تزال تعاني منها منظومة التربية والتكوين، تندرج ضمنه جميع المشاريع والبرامج الموازية التي يعتقد الأطر الإدارية والتربوية والتلاميذ وأولياء أمورهم والشركاء التربويون أنها هامشية، وترصد لها موارد مالية ومادية وبشرية إضافية، وتبقى فعاليتها ونتائجها محط تساؤلات وشكوك، ما يشكل لديهم مواقف. لهذا ولتجاوز مختلف المعيقات والحواجز التي تعترض انخراط مختلف شركاء العملية التربوية، وتقف أمام الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين، فإنه بات في اعتقادنا من الضروري العمل على: إرساء إصلاح تعليمي شمولي يستجيب لمقتضيات دستور المملكة الجديد، والتوجيهات الملكية السامية، يندرج ضمن مشروع مجتمعي متكامل، ويحدد معالم مشروع تربوي شمولي يشمل جميع البرامج والمشاريع وفق منظور شمولي لمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين، من تشريعات وبرامج ومناهج ومقررات دراسية، والمهام الإدارية والتربوية والتقنية المنوطة بمختلف هيئات وفئات موظفي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ومنظومة التوجيه التربوي، والحياة المدرسية…أخذا بعين الاعتبار السياسة التعليمية المنتهجة في إطار نهج مضبوط نحو استكمال سيرورة اللامركزية واللاتمركز، حتى تضطلع الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية بأدوارها كاملة؛
- وضع تشريعات ونصوص تنظيمية تحدد بجلاء مهام الأطر الإدارية والتربوية، وكذا حقوقهم وواجباتهم، وحقوق وواجبات التلاميذ وأولياء أمورهم، يتم تطبيقها بنزاهة وموضوعية في إطار الحق والقانون، من أجل تنفيذ مختلف برامج ومشاريع الإصلاح التعليمي، وفق الغايات المرجوة والأهداف المسطرة؛
- إصلاح أحوال جميع الطبقات الاجتماعية، خصوصا المعوزة والفقيرة، والتصدي لجميع معيقات ومثبطات النمو والتنمية البشرية، التي تشكل حجر عثرة أمام تعميم التمدرس والاحتفاظ بالتلاميذ ضمن الأسلاك الدراسية، حتى يتمكنوا من شواهد ودبلومات تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية والنهوض بالمشروع المجتمعي والتنمية البشرية الشاملة؛
- شق الطرق وفك العزلة عن المناطق النائية، وبناء أجنحة داخلية بالمؤسسات التعليمية بالوسطين الحضري والقروي، وتوفير وسائل النقل لتمكين الأطفال من ولوج أسلاك الدراسة بيسر، ودون عناء قطع مسافات طوالا سيرا على الأقدام، أو على دراجات محفوفة بأخطار قاتلة، وتمكين الأطر الإدارية من الالتحاق بمقرات عملهم دون تعب ودون هدر للوقت، مع إمكانية توفير سكنيات وظيفية للمديرين والمدرسين، وتوفير ظروف العيش ووسائل العمل والإنتاج؛
- وضع برامج ومقررات موحدة، تساير التطور العلمي والتكنولوجي، وترتبط بواقع التلميذ ومحيطه الثقافي والاجتماعي، من أجل حفزه على الاهتمام والمشاركة التفاعلية في بلورة الدروس والإبداع والتعلم الذاتي؛
- وضع أهداف إجرائية ومحددة المعالم، من حيث سمات ومواصفات التلاميذ، تحدد السلوك والمعاملات، والمؤهلات المعرفية والمهاراتية، والسهر على التدبير العقلاني للزمان والفضاء التربوي والموارد المادية والبشرية وتحديد آليات الضبط والتقييم الإداري والتربوي؛
- تمكين الأطر الإدارية والتربوية، كل في إطار تخصصه، من تكوين جيد أكاديميا ومهنيا، متشبعة بمبادئ الديمقراطية والمواطنة والعدل والمساواة؛
- توفير البنى التحتية الضرورية وفضاءات تربوية جذابة من أجل إرساء الظروف المناسبة للعمل والإنتاج، وانتهاج أساليب تعليمية فعالة تضع التلميذ في صلب العملية التربوية ومحورها الأساسي، حتى يكون مشاركا ومبدعا ومساهما في جميع العمليات التربوية؛
- وضع نفس قوانين وأساليب المراقبة والتأطير الإدارية والتربوية والتقنية على جميع المؤسسات التعليمية العمومية، منها، والخصوصية؛
- توفير الأدوات الديداكتيكية والمخبرية والوسائط التعليمية، من أجل القيام بتطبيقات وتجارب علمية تمكن التلاميذ من الوقوف حقيقة على الوضعيات والظواهر المدروسة؛
- وضع حد لظواهر الاكتظاظ والأقسام المشتركة لتمكين التلاميذ من المشاركة في بلورة الدروس والتفاعل خلال مجريات الإنجاز وكتابة الملخصات؛
- تمكين المدرسين من تكوين أكاديمي ومهني متين، وتنظيم دورات تكوينية مستمرة، وتخصيصهم تحفيزات مادية ومعنوية بناء على المردودية والإنتاج؛
- وضع حد للغش، ومحاربة التهاون والتلاعب، ومنع مزاولة الدروس الخصوصية المؤداة على كل من التلميذ والمدرس، وذلك بالتطبيق الصارم للقوانين المعمول بها؛
- وضع نظام ناجع للتقييم التربوي الداخلي والخارجي، يتمثل في المراقبة المستمرة داخليا، والامتحانات الموحدة خارجيا بجميع الأسلاك والمستويات الدراسية، مع اعتماد في، ذات الآن، نتائج المراقبة المستمرة ونتائج الامتحانات الموحدة، بنسب معينة ترجح كفة الامتحانات الموحدة في كل مستوى دراسي، وخاصة بمحطات الامتحانات الإشهادية؛
- تشكيل فرق رسمية تشرف على مهام المواكبة والتتبع والإنجاز والتأطير والتقويم لمختلف العمليات الإدارية والتربوية والتقنية، باعتماد وسائل وآليات فعالة، ورفع تقارير نزيهة وموضوعية في مختلف المواضيع، مع اقتراحات إجرائية لتجاوز مختلف الوضعيات، والعمل على الإسراع بالتنفيذ واتخاذ التدابير المناسبة.