إريك إريكسون ونظريته: النمو النفسي – اجتماعي

حياته العلمية:

يمكن تلخيص حياة إريك إريكسون العلمية في النقاط التالية:

تعريف النمو النفسي الاجتماعي

عرفه أريكسون بأنه عملية تطورية تعتمد على أحداث ذات تتابع ثابت في المجال البيولوجي والنفسي والاجتماعي.

وعرفه ماير بأنه عملية علاجية تلقائية لشفاء الآثار الناجمة عن الأزمات الطبيعية والمرضية الكامنة في النمو.

نظرية النمو النفسي الاجتماعي:

أثبتت الدراسات أهمية إحساس الطفل بالأمان في علاقاته مع المحيطين به خاصة الأم الحاضنة له، لأن الطفل الأكثر أمانا في علاقته بالحاضن يكون أكثر كفاءة من الناحيتين الانفعالية والاجتماعية. وبفضل هذه الكفاءة والنضج يستطيع أن يدخل كطرف إيجابي في أي تفاعل اجتماعي مع الآخرين وأثبتت الكثير من الدراسات كذلك أهمية النمو النفسي الاجتماعي .

ومن أهم العلماء الذين تناولوا النمو النفسي الاجتماعي إريك إريكسون الذي تحدث عن ثمان مراحل للتطور والنمو، وذلك من خلال علاقة الفرد ورغباته بالثقافة، وتتحدد كل مرحلة منها بما يطلق عليه الأزمة وأساس هذه الأزمة ما يحدث من تغيرات فسيولوجية وسيكولوجية وثقافية، تسبب مشاكل لابد من حلها في كل مرحلة كشرط للانتقال للمرحلة اللاحقة، هذا رغم قوله بأن بعض أوجه المشاكل قد تنتقل إلى مراحل لاحقة، وعندما ينجح الإنسان في حل هذه المشكلات يتوصل إلى نوع من التوازن النفسي وينتقل إلى المراحل التي تليها.

العلاقة بين فكر إريك إريكسون ونظريات التحليل:

حافظ إريك إريكسون على كثير من أساسيات التحليل النفسي عند فرويد، ومنها بناء الشخصية، وأهمية الخبرات اللاشعورية، وأهمية خبرات الطفولة، وأهمية الجنس والعدوان، وصلاحية مراحل النمو النفس-جنسي بصفة غير مطلقة ولكن كواحدة من الأساسيات لتفسير النمو، ذلك لأنه يرى أن العوامل البيولوجية واحد من الجوانب المؤثرة على النمو، إلا أنه لم يقف عندها.

ولم يقبل إريك إريكسون مبدأ “فرويد” المتضمن أن النمو يكتمل بعد الخمس سنوات الأولى بشكل أساسي لأن النمو عنده عملية طويلة المدى، ونظرية إريكسون بخلاف نظرية فرويد فهي تتضمن عناصر الرؤية الموقفية للعالم، حيث أنه ينظر للطفل على أنه كائن متغير يعيش في عالم متغير في ظل نظام من المواقف الثقافية التي ترجع إلى عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال، وتساهم في حل المشاكل التي تواجهه في كل مرحلة وتؤثر فيها. ويتفق مع فرويد في أن الطبيعة تحدد سلسلة المراحل وتضع الحدود التي تحكم عملية التنشئة ( فالوراثة تؤكد حدوث أزمة معينة والبيئة تحدد طريقة حلها ).

و اختلف عن فرويد في تركيزه على أهمية الثقافة في بناء الشخصية، وكذلك اختلف معه في نقطة جوهرية تتعلق بدوافع السلوك الإنساني فهي من وجهة نظر فرويد متمثلة في الغرائز البيولوجية مثل غريزة الحياة وغريزة العدوان لكن من وجهة نظر إريكسون فهي تتمثل في التفاعلات الاجتماعية المتبادلة للإنسان في عالم الخبرة الاجتماعية.

سيكولوجية الأنا:

نمو الأنا من خلال أزمات النمو:

مراحل النمو النفس اجتماعي:  

يرى إريكسون أن النمو الإنساني هو حصيلة التفاعل بين العوامل البيولوجية الغريزية، والعوامل الاجتماعية، وأيضا فاعلية الأنا. ومن خلال هذا التفاعل تنمو شخصية الفرد من خلال ثمان مراحل متتابعة، يظهر في كل منها أزمة أو حاجة يؤدي حلها إلى نمو الأنا وكسب فعاليات جديدة في حين يؤدي الفشل في حل هذه الأزمات إلى اضطراب النمو وتحديدا نمو الأنا. وفيما يلي ملخص لأهم خصائص النمو في المراحل المختلفة كما يحددها نموذج إريكسون والتي تغطي النمو من الميلاد إلى المراهقة.

السنة الأولى ( الثقة مقابل عدم الثقة):

(تقابل مرحلة الإحساس الفمي عند فرويد ) حيث تكون الحاجة الملحة (أزمة النمو) هي الحاجة إلى الثقة والتي تتحقق من خلال الحماية والرعاية المناسبة من قبل الأم، مما يؤدي إلى نمو الطفل نموا طبيعيا ونقله إلى المرحلة الثانية. وفي المقابل، يؤدي إهمال الأم للطفل إلى انعدام الثقة والتي يمكن أن تعمم في المستقبل لتشمل الآخرين والمجتمع من حول الطفل، كما تؤدي إلى اضطراب النمو في المراحل التالية وربما تصل النتائج السلبية إلى درجة ثبات النمو النفسي في هذه المرحلة المبكرة.

السنة الثانية (أزمة الاستقلال مقابل الشعور بالخجل):     

يصبح الطفل في حاجة للاستقلال، ويتحقق ذلك من خلال تمتع الطفل بقدر من الحرية في توازن مع الحماية. وتحقيق هذه الحاجة يعني الاستمرارية الطبيعية للنمو، في حين أن عدم إشباعها يؤدي إلى اضطراب النمو المتمثل في مشاعر الخجل عند التعرض لخبرات جديدة . كما يؤدي إلى اضطراب النمو وعدم حل الأزمات المستقبلية حلا إيجابيا. هذا بالإضافة إلى أن عدم حل أزمة الثقة يمثل عائقا لحل أزمة الاستقلال.

الطفولة المبكرة: ( أزمة المبادرة في مقابل الشعور بالذنب)

وتمتد من 3 إلى 5 سنوات، أو سن الروضة حيث تظهر حاجة الطفل للمبادرة. ويمكن أن تحل هذه الأزمة بتشجيع الوالدين للطفل ولسلوكه المتسم بالمبادرة. ويمكن أن لا تحل الأزمة كنتيجة لإعاقة حل الأزمات السابقة، أو لعدم تشجيع الأباء للطفل. في هذه الحالة يصبح الطفل عرضة لمشاعر الذنب.

مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة : ( أزمة الكفاية مقابل الشعور بالنقص )

وتقابل هذه المرحلة سن المدرسة الابتدائية حيث تظهر حاجة الفرد في الشعور بالقدرة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال محاولته حب الاستطلاع وميله للإنجاز وحاجته لتقدير الآخرين. وكما هو الحال في المراحل السابقة، فإن حل أزمة الكفاية يعتمد على استمرارية النمو الطبيعي والذي يتطلب حل الأزمات السابقة، وأيضا تشجيع البيئة المتمثلة في أعضاء الأسرة وأيضا المدرسة. وتكون النتيجة المتوقعة لأي من هذه المعوقات عدم قدرة الطفل على حل هذه الأزمة مما يؤدي إلى مشاعر النقص وعدم الكفاية.

المراهقة : ( أزمة الهوية مقابل اضطراب الدور )

حيث تظهر فيها حاجة الفرد إلى تشكيل هويته حيث يسعى المراهق إلى تحديد معنى لوجوده وأهدافه في الحياة وخططه لتحقيق هذه الأهداف ( من أنا ، ماذا أريد، وكيف يمكن أن أحقق ما أريد ). وإذا لم يتحقق ذلك، فإنه يمكن القول بأن المراهق يعاني من اضطراب الهوية أو يتبنى هوية سلبية وتحدث هذه النتيجة السالبة في العادة كنتيجة لاضطراب النمو في المراحل السابقة أو للعوامل الاجتماعية غير المساعدة.

الشباب المبكر: (المودة و الألفة مقابل العزلة)

مع الدخول في مرحلة الشباب ومع تحقيق الهوية، يواجه الفرد أزمة جديدة تتمثل في أزمة الألفة وترتبط بحاجته إلى شريك تربطه به علاقة تزاوجية حميمة. عند تحقيق هذه الأزمة وإشباع الحاجة ومواجهة التوقعات الاجتماعية يكون الفرد قد حل هذه الأزمة حلا إيجابيا وهذا يعني اكتساب الأنا لفاعلية جديدة تتمثل في الحب بمعناه الواسع. أما إذا فشل في حلها فانه يتعرض للإحساس بالعزلة.

أواسط العمر (الإنتاجية Productivity مقابل الركود)

هي مرحلة سن الرشد الوسطى وتمتد من الخامسة والعشرين إلى أواخر الخمسينيات،

وتتمثل الأزمة في هذه المرحلة في الإنتاجية. وتعني الإنتاجية في المجالات المختلفة المهنية منها والأسرية بما في ذلك الإنجاب والتربية. تحقيق الأزمة يؤدي إلى كسب الأنا لقوة وفاعلية جديدة تتمثل في الشعور بالاهتمام. أما الفشل في تحقيق هذه الأزمة فيؤدي إلى مشاعر الركود.

الرشد المتأخر (تكامل الذات مقابل اليأس)

تتمثل الأزمة في المرحلة الأخيرة من العمر في الشعور بالتكامل. وبالرغم من تأثره بكل العوامل السابق ذكرها كعوامل مؤثرة في حل الأزمات، فإن التاريخ السابق يبدو أكثر أهمية في هذه المرحلة إذ يبدأ الفرد بمراجعة تاريخ حياته وما حققه من أهداف أو العكس، وما استغله من فرص أو العكس. الإحساسات الإيجابية تؤدي بالفرد إلى الشعور بالتكامل والرضا، و هذا يؤدي إلى كسب الأنا لفاعلية جديدة هي الحكمة. أما في حالة الفشل في تحقيق هذه الأزمة فإنه يؤدي بالفرد إلى الشعور باليأس ورفض واقع حياته ومشكلاته في هذه المرحلة الخطرة.

مرحلة دنو الأجل

هذه المرحلة أضافها إريكسون قبل موته في عام 1994 وتولت زوجته جين إريكسون شرح بعض سمات هذه المرحلة. فقالت أن التحدي فيها يتمثل في مواجهة القنوط، ويظهر هذا التحدي في المرحلة الثامنة ويصاحب التاسعة خاصة مع ظهور العجز في الجسد وفقد القدرة على أداء بعض الأعمال، والصراع في هذه المرحلة بين الثقة بالنفس وضعف الثقة بها، والأمل لا يستطيع إزالة حدة التأزم النفسي في هذه المرحلة.

يعد النمو النفسي الاجتماعي نسبياً من الناحية الثقافية بطريقتين:

ونظريته

شكل يوضح العوامل التي تساعد على حل أزمة النمو

النمو النفسي السليم يحقق التوافق النفسي

أوضح إريكسون أن النمو النفسي السليم للفرد يحقق التوافق النفسي له ويشعره بتقدير الذات والإنتاجية وعدم الشعور بالاضطرابات النفسية والسلوكية، وعلى هذا الأساس يعرف الفرد كيف سيكون في المستقبل، بحيث يتصل حاضره بمستقبله والذي هو جزء من ماضيه. فإحساس الفرد بأنه فرد متميز عن الآخرين، وأن علاقاته الاجتماعية تتميز بالتوجه نحو تحقيق أهداف معينة، وأن حياته تتسم بأسلوب معين يعيش عليه مع الاعتراف بوجود الآخر دون الذوبان فيه مع الرعاية والاهتمام .

الفكرة الأساسية في النظرية: تكوين الهوية التي تعطي السمة المحددة للشخصية

يرى إريك إريكسون أن نمو الأنا يتضمن تغيرا كيفيا ينتج من تفاعل العوامل البيولوجية والاجتماعية والتركيب النفسي وفقا لمبدأ تطوري يثمر عن ظهور أزمات للنمو في كل مرحلة تتناسب مع درجة النضج البيولوجي والمتطلبات الاجتماعية للمرحلة والنضج النفسي المنجز وتحل إيجابا أو سلبا وفقا للمتغيرات السابقة.

وفي هذا الإطار، حدد إريك إريكسون ثمان مراحل نمو يمر بها الإنسان تمثل نمطا تطوريا للذات، وهذه المراحل تغطي النمو النفسي-اجتماعي للإنسان من ميلاده إلى شيخوخته. وهذا النمو التطوري للإنسان يمثل نموا متواصلا بحيث لا تنفصل مرحلة عن أخرى، فكل مرحلة تعتمد على سابقتها، تمثل بعدا جديدا يؤثر في المرحلة اللاحقة، بمعنى وجود تراكمات تطورية لنمو الذات، وهذه المراحل يسميها إريكسون بأزمات النمو.

وكل مرحلة تعتبر نقطة تحول تدريجي في القدرات والمهارات والفكر والمشاعر والعلاقات الاجتماعية، بمعنى أن كل هذه الأمور تؤثر بشكل مباشر في نمو الشخصية.

والخلاصة: أن نظرية إريك إريكسون تعتبر تطور الإنسان نتيجة طبيعية للأحداث الاجتماعية والثقافية، وأن عملية التطبيع الاجتماعي تتأثر بالعوامل الخارجية أكثر من تأثرها بالعوامل العضوية، وأن كل مرحلة عبارة عن أزمة نفسية تتطلب الحل قبل الوصول للمرحلة اللاحقة، فالمراحل عند إريكسون عبارة عن بناء هرمي شبيه بالطوابق المعمارية.

الافتراضات التي اعتمدها إريك إريكسون:

المحور الأساسي للحياة من وجهة نظر إريك إريكسون

المحور الأساسي للحياة يتمثل في البحث عن “الهوية ” ويشير هذا المصطلح إلى الوعي الشعوري بشخصية الفرد والسعي اللاشعوري لبقاء الشخصية، والحفاظ على التضامن الداخلي مع معايير الجماعة وخصائص الشخصية.

فالهوية تعني فهم وقبول النفس والمجتمع، وتنمو الهوية من مرحلة إلى أخرى، وتؤثر الصورة الأولية للهوية على الصور اللاحقة.


المراجع:

 

المصدر

new-educ.com

Exit mobile version