ورثت حكومة العثماني واقعا مترديا في التعليم العمومي، لذلك فقد جعلت منه أولوية رئيسة في برنامجها الحكومي، لكن المثير أنه منذ تنصيبها وبعد مرور عام، لا نكاد نعثر على مبادرات أو إجراءات ترمي إلى إخراج التعليم من أزمته.
رشيد الجرموني، الباحث في علوم التربية، اعتبر أن الإشكاليات التعليمية التي يتخبط فيها المغرب مرتبطة بغياب إرادة سياسية لدى الدولة، واصفا حكومة العثماني بأنها «حكومة تصريف الأعمال ليس إلا، لا تتدخل في القضايا الاستراتيجية التي يحسمها ويرسمها المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك».
وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأن الدولة حملت إجراءات إصلاحية للنهوض بالتعليم، مثل الرؤية الاستراتيجية وما يقوم به المجلس الأعلى للتعليم، فإن الجرموني يؤكد أن المغرب مازال يراوح مكانه، ولم يجعل من التعليم قضية مقدسة، وقد يظهر أن هناك إصلاحات، لكنها، مع الأسف، إفسادات، وفي مقدمتها إلغاء مجانية التعليم ودعم القطاع الخاص، وإنشاء الجامعات الخاصة، وهي مؤشرات تدل، في نظر الباحث، على أن الدولة لا ترغب في النهوض بهذا القطاع، ودليله على ذلك هو سياسة التعاقد التي تظهر تخلي الدولة عن مسؤوليتها السياسية في سلوك المسار الصحيح من أجل حل إشكاليات التعليم.
بالنسبة إلى الباحث في قضايا التعليم، سالم تالحوت، فإن المنظومة التربوية تعاني أعطابا متعددة، كارتفاع نسب الهدر المدرسي، وتفشي مظاهر العنف، وضعف الجودة، وتنامي الاكتظاظ، وتخلف البرامج، وتفاقم الهوة بين التكوينات وسوق العمل، وتدني أجور أسرة التعليم، وضعف تكوين الإداريين، ورداءة تأهيل المدرسين، ما يتطلب إرادة حقيقية للإصلاح الشمولي لهذا القطاع.
وإزاء هذه الأزمة -يضيف تالحوت- لا تظهر مبادرات جوهرية من الحكومة الذي استعاضت عن تعزيز دور المورد البشري بالتوجه إلى نظام تعاقد يضع الأستاذ في وضع هش، تسوده هواجس فسخ العقد، بدل سن تحفيزات معنوية ومادية للموظف والمدرس والمتعلم، تدفع إلى تملك قيم البذل والعطاء.
وحسب يوسف عكوش، الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، فإن الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب إزاء وضعية التعليم بالمغرب، هو أنه في زمن الاستراتيجية وإقرار الرؤية في قطاع حيوي كالتربية والتكوين، تعتمد الحكومة نظام التعاقد بشكله الهش، وضبابية في المسار عبر عقود الإذعان، ظنا منها أنها ستسد الخصاص المهول بالقطاع، كما لو كان هذا الخصاص أمرا طارئا، في حين أن قطاع التعليم يئن، منذ أزيد من أربعين سنة، تحت وطأة الخصاص الذي أرهق المدرس جراء الاكتظاظ، وأضعف مردودية التحصيل العلمي والاهتمام بآليات تدعيم التعليم الفردي، ما أدى إلى اضمحلال القدرة على بناء جسور التواصل، ونشوء ظواهر أخرى كالتكرار والهدر والعنف المدرسي والغش.
ويرى المسؤول النقابي أن الحكومة عاجزة عن تحقيق شرط الاستقرار النفسي والاجتماعي والمادي للأسرة التعليمية لتنخرط بقوة في أوراش الإصلاح، الذي أثبت محدوديته وفشله من خلال الأرقام والتقارير التي تصنف المغرب في مراتب متأخرة.