يعيش المجتمع المغربي على صفيح ساخن، بعدما دخل الأساتذة في أشكال احتجاجية غير مسبوقة شلت بسببها المدارس، وذلك على إثر إصدار وزارة التربية الوطنية المرسوم المشؤوم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي التربية الوطنية. والذي خلف ردود فعل غير مسبوقة، مما ينم عن حجم الضرر الذي كان سيُلحقه بالأسرة التعليمية وبالمدرسة العمومية، لو تم القبول به. فالعقلية التي صاغت هذا النظام كانت بصدد “إسقاط قنبلة نووية” على المدرسة العمومية والوظيفة العمومية في قطاع التعليم لكي تجعلهما أثرا بعد عين.
لقد صدعت الحكومة الحالية رؤوس المغاربة بشعارات الدولة الاجتماعية، وغيرها من الشعارات الخادعة، لكن عندما نضع هذه الشعارات على مشرحة التحليل والتفكيك، يتضح أن ما تعطيه هذه الحكومة بيمينها تسعى لتأخذ أضعافه بشمالها، ولكي نواجه هذه الحكومة بالأسئلة الحارقة التي تسقط عليها ورقة التوت، نسألها عن موقفها من المدرسة العمومية ومن الوظيفة العمومية، وهنا لن ننتظر الأجوبة على شكل خطابات من قبيل الخطابات التي روجت خلال الحملة الانتخابية، لأن الحكومة مرت بالسرعة القصوى لتقديم أجوبة عملية مضمونها أن: ورش تفكيك المدرسة العمومية والوظيفة العمومية قد فُتح على مصراعيه، ونجح الأمر في بعض القطاعات نظرا لحجم المقايضة كالزيادات الهامة في الأجور والاغراء ببعض الامتيازات مقابل غض الطرف عن قضايا تمس في الجوهر الوظيفة العمومية والخدمة العمومية.
نجد بوادر سياسة تفكيك الوظيفة العمومية والمدرسة العمومية في قطاع التعليم في محطات تاريخية نُظر فيها للتعليم بأنه قطاع غير منتج، كما أن الميثاق الوطني بشر بالشراكة مع القطاع الخاص، وبتنويع أوضاع العاملين بقطاع التعليم، وزرع مفردات المقاولة: كالجودة والمردودية والشراكة، وتم توسيع هذا المعجم المقاولاتي في البرنامج الاستعجالي الارتجالي، وفي الرؤية الاستراتجية “الضبابية” والتدابير ذات الأولوية، والقانون الاطار وفي خارطة الطريق وغيرها من “أكوام الكلام الفارغ” الممهد لسن ترسانة من المذكرات والمراسيم التراجعية، والتي كان أخطرها اقرار نظام التعاقد 2016، والذي انتقلنا بموجبه من التوظيف في إطار الوظيفة العمومية، إلى التوظيف الجهوي الهش.
لكن الطابع الارتجالي لتنزيل هذه الإملاءات الصادرة عن مؤسسات التمويل الدولي، دفع الأفواج الكبيرة من الأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد إلى الدخول في مسار نضالي مستمر، كلف هؤلاء الأطر أنفسهم ثمنا كبيرا من الاقتطاعات من أجورهم الهزيلة أصلا (لا تتجاوز 5000 درهم) وتجميد الترقيات، كما كلف كثيرا ملايين التلاميذ الذين يحرمون من حصصهم الدراسية بفعل هذه السياسة التعليمية اللاديمقراطية واللاشعبية للدولة. ونظرا لما شكله هذا الملف العادل للأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد، ولمحاولة الخروج من هذه المتاهة التي دخلت فيها الدولة بضغط من المقرضين، تفتقت عبقرية الوزراة وحلفها النقابي، بعد مسار من المفاوضات السرية، عن نظام أساسي صيغ بعقلية متخلفة، وبدوافع تستبطن الحقد وسوء النية، وتستهدف الوظيفة العمومية والمدرسة العمومية، وأصبح الضرر عاما وقد مس كل الأسرة التعليمية، وقد داس مهندسو هذا النظام على مبادئ دستورية هامة أهما:
- الفصل 27 من الدستور الذي تنص فقرته الأولى على أن ” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، فضدا على مضمون هذا الفصل لجأت وزارة التربية الوطنية إلى السرية، ضاربة عرض الحائط حق مهنيي القطاع في المعلومة وفي إبداء الرأي في نظام يخص مهنتهم.
- الفصل 28 من دستور المملكة الذي تنص فقرته الأولى على أن ” حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”، وقد سجل المراقبون حجم التعتيم الإعلامي المفضوح، في قضية تهم الآلاف من نساء ورجال التعليم، وملايين التلاميذ والأسر المغربية، وبالمقابل سمح لصوت واحد-الوزير وجوقته- لترويج المغالطات والأكاذيب، حتى تحولت تصريحاتهم إلى مادة للسخرية، مما عمق من أزمة الثقة في وسائل الاعلام العمومي الممولة من جيوب دافعي الضرائب.
- الفصل 29 من دستور 2011 الذي يؤكد في فقرته الأخيرة أن “حق الاضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته” وفي مخالفة سافرة لهذا المبدأ الدستوري لاتزال حكومة المغرب تستدعي الإرث الاستعماري في تجريم الحق في الإضراب وتعتبره “تغيبا جماعيا غير مشروع عن العمل”، وتلجأ لقرصنة أجور المضربين في غياب أي قاعدة قانونية يُستند إليها. مما جعل الوزير وكاتبه العام “مشرعين بأمرهما”. ولذلك عوض البحث عن حلول للأزمة التي خلقتها الوزارة، فهي تعتمد التهديد وتطويل اليد على أرزاق نساء ورجال التعليم. عبر الاقتطاع الذي لم يعد يخيف أحدا من طلاب الكرامة.
وبالعودة إلى منطوق المرسوم المشؤوم فمن شأن قراءة بنوده أن تجلي طبيعة هذه العقلية المتخلفة والمتعجرفة والحقودة التي صاغته وتبيان دوافعها، وسأركز فيما سيأتي على بعض مواده التي تشكل خطرا كبيرا على مستقبل الوظيفة العمومية والمدرسة العمومية. وعلى السلم الاجتماعي لوطننا الحبيب.
1. ضرب الوظيفة العمومية:
من الألاعيب التي لجأت لها الوزارة ومهندسو النظام الأساسي خلط الأوراق فيما يتعلق بموظفي الوزارة، فعوض اعتماد تسمية الموظف العمومي، واعتبار جميع نساء ورجال التعليم موظفون عموميون، ميز النظام في المادة 1 بين موظفي قطاع التربية الوطنية (إزالة وصف عمومي)، والأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وهذا يدل على نية مبيتة في اخراج جميع موظفي القطاع من الوظيفة العمومية. ونذكر هنا بأن الموظف العمومي حسب الفصل 2 من ظهير 24 فبراير 1985 بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية بالمغرب هو: “كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة” وهذا يعني أن الموظف العمومي يمارس مهامه في المرفق العمومي، ضمن المؤسسة العمومية، ولذلك فهناك نوع من التلازم بين الوظيفة العمومية والمدرسة كمؤسسة وطنية عمومية. وإن تفكيك الوظيفة العمومية هو سير نحو تحويل الموظفين العموميين إلى أعوان مؤقتين أو مياومين، أو مجرد متعاقدين مع الإدارة. وبالتبعية تحويل المؤسسة العمومية للخواص.
2. إطلاق يد الادارة في الترسيم أو عدمه:
يعد الترسيم في احدى رتب السلم الخاص بأسلاك الادارة التابعة للدولة مقوما من مقومات الوظيفة العمومية، وبالرجوع للمادة 45 من النظام المشؤوم فإن ترسيم المتمرنين المنتمين لأطر التدريس يتم باقتراح من رؤسائهم التسلسليين، وبناء على تقرير تعده لجنة تحدد تركيبتها وكيفيات اشتغالها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية. ومنطوق هذه المادة يطلق يد الوزارة من خلال الرؤساء التسلسليين في الترسيم أو عدم الترسيم، مما يفتح مجالا للتعسف في استعمال هذا الحق، خاصة وأن تشكيل اللجنة وتركيبتها وكيفية اشتغالها متروك لمزاج سلطة الوزارة.
3. تناقض القواعد الخاصة للنظام الأساسي مع القواعد العامة لقانون الوظيفة العمومية:
تنص المادة 3 من مرسوم بنموسى حرفيا على:” تسري على الموارد البشرية أحكام النصوص التشريعية المطبقة على موظفي الدولة، التي لا تتعارض مع مقتضيات هذا المرسوم” وهذا إن دل على شيء فهو يدل على تناقضات قانونية جامة في هذه المادة تتعلق بتوازي الشكليات، فأيهما يحكم الآخر ويضبطه هل المرسوم يضبط قانون الوظيفة العمومية أم العكس؟ فقانون الوظيفة العمومية من المفروض أن يحكم ويضبط القوانين الأساسية الخاصة في الوظيفة العمومية، ولا يسوغ أن يخالف المرسوم أي بند من بنود قانون الوظيفة العمومية اللهم فيما يتعلق بإضافة إمتيازات جديدة لصالح المهنيين، بل إن الوزير وجوقته من موظفي الوزارة والحلف النقابي نصبوا أنفسهم “مشرعين جدد” فجاؤوا ببدع منكرة لم يسبق لها مثيل في مسار التشريع وإنشاء القواعد القانونية في المغرب.
4. سلطة مطلقة للوزارة في تحديد المهام:
يعد مرسوم العار مثالا صارخا لتخبط “المشرعين الجدد” فالمادة 15 منه تنص حرفيا:
تتولى هيئة التربية والتعليم، حسب كل إطار القيام بالمهام التالية:
أطر التدريس:
- التربية والتدريس؛
- التقييم والدعم التربوي؛
- التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي؛
- المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني؛
- المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية؛
- المشاركة في الأنشطة المدرسية والأنشطة الموازية.
ومن المعلوم أن المهمتين الأساسيتين لأطر التدريس هما التربية والتعليم، والتقييم وحراسة الامتحانات الإشهادية. والمهام الأخرى هي مهام إضافية، قد يقوم بها الأستاذ بشكل طوعي حبا لتلاميذته، وحبا لوطنه. لكن ترسيم هذه المهام وجعلها إجبارية، بدون تعويض يعد قرارا كارثيا خاصة أن الوزارة أصبحت ترفع شعار “الأجر مقابل العمل”، وفي المقابل تضيف أعمالا إضافية للأستاذ بدون أجر ولا تعويض.
والخطير في هذا الباب المتعلق بالمهام أن الوزارة زرعت مهاما أخرى في مواد أخرى، ففي المادة 7 مثلا: ” التواصل المنتظم مع ولي أمره(التلميذ) في إطار المواكبة المستمرة لمساره الدراسي” والسؤال المطروح هنا هذا التواصل هل يتم داخل أوقات العمل أم خارجها؟ وكيف يتم التواصل مع أولياء أمور في السلك الابتدائي في أقسام تتجاوز 40 تلميذ وقد تصل إلى 50 وأكثر، وفي السلك الثانوي حيث قد يصل العدد الاجمالي للتلاميذ الذين يدرسهم الأستاذ 500 تلميذ (مادتي التربية الاسلامية والفلسفة والاعلاميات… مثلا) والمواد الأخرى الأساسية لا يقل عدد التلاميذ عن 150 تلميذ.
ولم يشبع كل الذي سبق غرور المتفرغين النقابين “المفاوضون” و الموظفين الأشباح في وزارة التربية الوطنية، بل وضعوا المادة 67 العجيبة الغريبة التي تنص على مقتضى قروسطي يريد ارجاعنا لأزمنة السخرة، وإليكم منطوق هذه المادة:” يتم تدقيق وتفصيل المهام المنصوص عليها في هذا المرسوم، أو إسناد مهام أخرى للمعنيين بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية”.
وبخصوص المهام الأصلية خاصة التدريس تنص المادة 68 على:” تحدد مدة التدريس الأسبوعية بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، وتؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية” وهذا مقتضى خطير، ففي الوقت الذي يطالب فيه الأساتذة بحذف الساعات التضامنية، وبتقليص ساعات العمل، خاصة وأن أضعاف ما يشتغله الأستاذ في المؤسسة التعليمية يشتغله في المنزل من خلال عمليات التحضير وتصحيح الفروض التجريبية والفروض المحروسة والدفاتر، وتعبئة المذكرات اليومية ودفاتر النصوص. وزيادة على كل ما ذكر تتحدث المادة 69 على إلزامية الحضور للدورات التكوينية المنظمة من طرف الوزارة، بدعوى تطوير المهارات وتحسين المردودية، فكيف سيتم هذا التكوين؟ ومتى؟ ومن يتحمل تكلفته؟ لا أحد يرفض التكوين والرفع من قدراته وتحسن مهاراته، لكن “التكوينات” البئيسة التي تنظمها وزارتنا خلفت ذكريات سيئة لدى كل نساء ورجال التعليم، من حيث شروط تنظيمها ورداءة مستوى التأطير، وتقادم المضامين المقدمة، والإرتجالية القاتلة. وفي المقابل توزيع التعويضات والمكافآت السخية على المحظوظين ممن يتصدرون هذه التكوينات.
وأمام كل هذه المهام اللامتناهية والمجانية، فإن الوزارة في المادة 4 عندما يتعلق الأمر بالتجهيزات والمستجدات التربوية والموارد الديداكتيكية والبيداغوجية، تقول أنها ستوفر ذلك في “حدود الإمكانات المتاحة” وهذا تهرب من المسؤولية، فعندما نتحدث عن الامكانات نجد أن صرف مالية الوزارة يتم على التعويضات السمينة بلا حسيب ولا رقيب للوزير ومستشاريه والمديرين المركزين والجهوين والإقليمين، وفي الصفقات المشبوهة، والصرف اللامحدود على شبكة الهاتف والوقود والسيارات الفاخرة، لكن بالمقابل هناك مدارس بلا مراحيض، وهناك مدارس بلا ماء ولا كهرباء، والطاولات والمقاعد وكثير من التجهيزات المتقادمة -فيها ما يعود لثمانينات القرن الماضي-. ولا نتكلم عما يصرفه الأساتذة تضحية منهم من أجل وطنهم في ما يتعلق بأدوات الاشتغال. لأن وزارتهم ذات الامكانيات المحدودة لا توفرها لهم.
5. سلطة مطلقة للوزارة في العقاب:
خصص المرسوم الباب التاسع منه للعقوبات التأديبية لاسيما المادة 64 التي جاءت بسلم عقوبات من أربع دركات، وبالرجوع لقانون الوظيفة العمومية، ووفقا لمقتضى الفصل 66 منه فالعقوبات محددة فيه على سبيل الحصر ومرتبة حسب تزايد خطورة المخالفة وهي كمايأتي:
- الإنذار L’avertissement
- التوبيخ Le blâme
- الحذف من لائحة الترقي La radiation du tableau d’avancement
- الانحدار من الرتبة L’abaissement d’échelon
- القهقرى في السلم La rétrogradation
- العزل من غير توقيف حق التقاعد La révocation sans suspension des droits à pension
- العزل المصحوب بتوقيف التقاعد La révocation avec suspension des droits à pension
وحسب الفصل 73 ق. و. ع وفي حالة ارتكاب الموظف”هفوة خطيرة” كالجنح الماسة بالحق العام فيمكن احتياطيا اللجوء للتوقيف عن ممارسة المهام قبل اتخاذ العقوبة التأديبية. لكن مرسوم بنموسى جاء بعقوبات تتجاوز عقوبات قانون الوظيفة العمومية، مما يؤكد أن هذا القانون يريد أن يضع موظفي الوزراة خارج الوظيفة العمومية، ومن هذه العقوبات المخالفة لصريح الفصل 66 ق. و. ع، نجد:
- الحرمان من المشاركة في الحركة الانتقالية،
- الحرمان من المشاركة في الامتحان المهني،
- الانحدار برتبتين (الانحدار في إحدى الرتب قد يؤدي إلى تقليص الأجرة بحوالي 2500 درهم)،
- الحرمان من المنحة المالية السنوية،
- الإقصاء الموقت عن العمل مع الحرمان من الأجرة ماعدا التعويضات العائلية لمدة لا تتعدى 3 أشهر، ولا تقل عن 15 يوم،
- الخصم من الراتب الأساسي بما لا يتجاوز 10 أيام في حدود 60 يوم خلال السنة الواحدة.
وكل هذه العقوبات لا أساس قانوني لها لكونها تخالف مقتضيات قانون الوظيفة العمومية، مما يجعلنا أمام مفارقة، فإما نحن داخل الوظيفة العمومية وبالتالي لماذا كل هذه العقوبات المخالفة للفصل 66؟ وإما نحن خارج الوظيفة العمومية فلماذا يكذب مسؤولو الوزارة والنقابات، ويصرحون بأنه تم إدماج المتعاقدين في النظام الأساسي للوظيفة العمومية؟ والخطير في هذه العقوبات بغض النظر عن عدم مشروعيتها، أن المرسوم لم يحدد حالات إيقاعها ولا الضمانات القانونية التأديبية، كمواجهة الموظف بالمآخذ المنسوبة إليه، وحق الاطلاع على الملف، والحق في المثول أمام مجلس تأديبي، والتناسب بين الخطأ والعقوبة، وإمكانية المطالبة بحذف العقوبة ورد الاعتبار. ولذلك فما قرره “المشروعون الجدد” في هذا الباب يعد جريمة قانونية، وتعد من السلطة التنفيذية على حق أصيل للسلطة التشريعية.
6. سلطة مطلقة للوزارة في التأويل:
من الأمور الخطيرة في هذا المرسوم ترك باب تأويل نصوص كثيرة منه مفتوحا على مصراعيه أمام الوزارة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سوء نية مهندسي هذا المرسوم المسخ، وسأحيل إلى مواد بعينها -من باب التمثيل- في هذا الاطار وأترك لكم الرجوع لهذه المواد لفهم خلفياتها.
المادة 2 ” تخضع (الموارد البشرية) في تدبير شؤونها للسلطة المكلفة بالتربية الوطنية أو السلطة المختصة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل”
المادة 4″ توضع رهن اشارة الموارد البشرية (……) في حدود الامكانات المتاحة”
المادة 7 “التواصل المنتظم مع ولي أمره (التلميذ) في إطار المواكبة المستمرة لمساره الدراسي”
المادة 8 “تضع السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية مدونة لأخلاقيات المهنة”
المادة 10 ″ إطار أستاذ التعليم الثانوي”
المادة 15″ كل المهام مفتوحة على التأويل”
المادة 52 ″تحدد نماذج بطاقات التنقيط واستمارات التقييم والشبكات المحددة لمؤشرات عناصر التقييم وكيفيات إجرائه بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العموموية”
المادة 53 “يتولى تقييم الأداء المهني مدير المؤسسة والمفتش التربوي المعني”
وهنا حدود سلطة كل واحد منها في التقييم …
المادة 64 : تحدد العقوبات
وقد ناقشنا سابقا عدم مشروعيتها، لكن تأوليها وحالات ايقاعها ومن يوقعها متروك لتأويل الوزارة.
المواد 67-68-69 المتعلقة بالمهام ومدة التدريس وإلزامية حضور دورات التكوين المستمر مفتوحة على حق التأويل المطلق للوزارة
وكل هذه المواد مفتوحة -بغض النظر عن عيب عدم الشرعية الذي يحوم حول الكثير منها- على الشطط في استعمال سلطة التأويل من طرف الوزارة. مما يستوجب إلغاء كل هذا النظام المشؤوم وإعادة التفاوض من جديد على نظام أساسي على قاعدة تلازم الوظيفة العمومية والمدرسة العمومية، وعلى الحكومة أن تحذر من محاولة صناعة أزمة يستفيد منها تجار الأزمات-وبعضهم يوجدون داخل الحكومة أو يؤثرون من خارجها في صناعة قرارها- والذين يسيل لعابهم لتحويل التعليم لبضاعة، فهؤلاء لا يرون في 9 مليون تلميذ وأسرهم إلا زبناء، ولو على حساب حاضر ومستقبل وقوت الأمة المغربية، ومستقبل أجيالها وسلمها الاجتماعي.
وعلى سبيل الختم نقول: إن حبل الكذب قصير، وإن إرادة نساء ورجال التعليم عازمة اليوم على اسقاط نظام المآسي، وعلى الدفاع عن الوظيفة العمومية والمدرسة العمومية. وهم في ذلك يدافعون عن قضية وطنية متعلقة باستقرار الدولة، واستمرارية الأمة المغربية. لأنهم يعتقدون أن قضية التعليم وقضية الوحدة الترابية صنوان، وقد صادقت الأسرة المغربية من الشارع -وبصوت يسمعه من به صمم- على هذا المبدأ حينما حملت المسؤولية للوزارة وللحكومة، ودعت لانصاف الأساتذة، في الوقت الذي كان البعض يراهن على الصدام بين الأسرة المغربية وبين الأساتذة، لكن الأسر المغربية على وعي تام أن المستهدف هو المدرسة كخدمة عمومية تمول بأموال دافعي الضرائب، والوظيفة العمومية التي تحقق استقرار النظام التعليمي والنظام الاجتماعي لبلادنا بشكل عام.
إنه لا مفر من الاستماع لمظلومية نساء ورجال التعليم، لا مفر من اسقاط نظام المآسي، لا مفر من الاستجابة للمطالب الأساسية لنساء ورجال التعليم عبر إدماج المتعاقدين في الوظيفة العمومية، والرفع من أجور الأسرة التعليمية، ومعالجة الملفات المتراكمة، وتوجيه ميزانيات الوزارة للمدرسة العمومية، ومعالجة الإشكالات البنيوية؛ كالاكتظاظ والهدر المدرسي وانعدم الرؤية البيداغوجية وتقادم المناهج وعدم مسايراتها للواقع.